قضية أزليّة هى قضية المرأة والرجل، نعم أزلية وأبدية أيضاً؛ لأن طرفى القضية هما الحياة نفسها “الذكر والأنثى ” وكل مَن قرأ الكتب التراثية وجد رؤى تفسر العلاقة بين المرأة والرجل وتريد فرضها على الناس ومن هذه الرؤى ما ورد فى التوراة حول اعتبار “حواء” أو المرأة مسؤولة عن خروج آدم من الجنة، والعقاب الذى أنزله الله عليها ومن بنود هذا العقاب “اشتياقها للذكر” وهذه الرؤى التقطها فقهاء القرون الثلاثة الأولى من عمر الدولة العربية التى كانت إمبراطورية قوية تنقل الأفكار عن الحضارات القديمة عبرالترجمة وتعطى الشعوب التى دخلت تحت سيطرتها “رسالة الإسلام” تلك الرسالة التى خضعت للتفسير والتأويل وعرفت الانقسام المذهبى والسياسي يكفى أن يقرأ القارئ صفحات الصراع بين “السنة والشيعة”، ليعرف حجم المعركة الفكرية والسياسية التى شهدتها الدول العربية فى تلك الحقبة التاريخية.
ما يهمنا هنا هو النظر إلى “المرأة ” باعتبارها بيت “النجاسة” واعتبارها ناقصة عقل ودين وكل الفرق الدينية: “السنة والشيعة والخوارج” تطرح رؤى ترى فيها أن الله يساوى بين الجنسين فى الثواب والعقاب فى الآخرة ويفرق بينهما فى توزيع الثروة وتولى المناصب، فالكل يؤمن بقوله تعالى: “وللذكر مثل حظ الأنثيين” ويتمسك بالتفسير الذى يحرم المرأة من المساواة فى كل الأمور، وهذه النظرة القاسية انتقلت إلى المرأة نفسها، فرأت أنها “متاع للرجل” وأنها “ناقصة دين”، لأنها تحيض فتمتنع عن الصلاة والصيام، والرجل كامل العقل والدين فهو يصلى ويصوم ولا يحيض ولا ينقص إيمانه شيء.
وفى الفترة التى ظهرت فيها “الوهابية” وازدهرت فى الوطن العربى، تحت رعاية استعمارية بريطانية فى نجد والحجاز، ثم فى مصر أهينت المرأة وأصبحت المسئولة عن ارتفاع الأسعار، فالغلاء فى نظر الشيوخ الوهابيين مصدره النساء العاريات والانهيار الأخلاقى فى المجتمع مصدره النساء، فهنّ يتعرّين من أجل إغراء الرجال، لأن “الشيطان” وجد فيهن الوسائل التى تهدم إيمان الرجل!
العجيب أن المرأة المنتمية للطبقات الشعبية اعتنقت هذه الفكرة السلبية وشاع فى المجتمع المصرى ما يسمى “الجماعة السنية” وهؤلاء “السنية” ترتدى زوجاتهن النقاب ويفرحن بالتعدد فى الزواج، وتجد الواحدة من بنات “السنية” تؤمن بحق زوجها فى الزواج من أربع زوجات وعلى مستوى “الفكر العلمانى” نجد المعارك التى خاضتها هدى شعراوي ونوال السعداوي وغيرهما من السيدات تحولت لدى نساء “الجماعة السنية” إلى معارك “كُفريّة” من الكفر والعياذ بالله، لأن هذه المعارك استهدفت هدم شرع الله ومساواة المرأة بالرجل وهدم الأسرة المسلمة.
ورغم ثورة الاتصالات والعولمة الثقافية التى فرضها الغرب “الأمريكى الأوربى ” على شعوب الأرض مازالت “المرأة المصرية” تعانى من رواسب الفكر الوهابي وهى رواسب تعطلها وتحقرمن قدراتها وتجعلها عاجزة عن الإيمان بفكرة المشاركة مع الرجل فى بناء المجتمع الإنسانى القائم على احترام آدمية بنى آدم دون النظر إلى الاختلاف النوعى بين الذكر والأنثى وهو اختلاف ضرورى لخلق “الحياة ” نفسها والحقيقة أن العلاقة بين المرأة والرجل فى مصر، يجب النظر إليها فى سياق الطبقة الاجتماعية وما تحمله من أفكار، فالطبقة الغنية الراقية المنتمية لأمريكا وأوربا لا يشغلها “الزواج” و”الحب” و”الثروة” بالطريقة ذاتها فى الطبقة الفقيرة التى تحمل الوعى “الوهابى” والبدائى ،والعلاقة بين المرأة والرجل فى الطبقة الفقيرة ليست هى العلاقة بين المرأة والرجل فى الطبقة المتوسطة ومهام المرأة ” الفقيرة” أقسى وأصعب، فهى تعمل وتكدح وتربى الأولاد ويقع عليها العبء الأكبر وكذلك فى الطبقة المتوسطة مع الفارق فى الوعى والاحتياجات.
القصد من هذه التفرقة الاقتصادية معرفة حدود كل طبقة وموقع الأنثى داخل كل طبقة، حتى يستقيم الطرح والمعنى، وفى اعتقادى أن المرأة والرجل يجب أن يتكاملا ويتفقا على أنهما لا يمكنهما العيش فى حالة حرب، فهذا غير منطقى والحرب والحياة لا يلتقيان.
فالحرب موت وحقد وكراهية، والحياة حب وخصوبة وجمال والذين ينظرون للمرأة نظرة احتقار هم يحتقرون أنفسهم فالمرأة هى راعية النوع الإنسانى وحاملة الثقافة والخبرات وحامية البيوت من تسرُّب الموت إليها، لكن بشرط أن نوفر لها الظروف السوية التى تخلق منها الأم الحنون القادرة على بناء المجتمع بناء يحقق له الرقى والتمسك بالإنسانية فلا يصح أن نقهرها وننظر إليها نظرة تقلل من كرامتها وبعد هذا كله نرتجى منها الحب والعطاء والحنان.
ففى اعتقادى أيضاً أن رجال الدين (المسلمين والمسيحيين) مطالبين بتقديم خطاب دينى يحترم المرأة وأن يتحرروا من الرؤية التوراتية التى تحمّل المرأة ـ تاريخيا ًـ المسئولية عن طرد “آدم” من الجنة وأن يفعلوا ما من شأنه تحويل النصوص الدينية إلى أداة لتحقيق سعادة البشر وهى الهدف النهائى للأديان التي جاءت لتحقيق السعادة لا لتعذيب العباد.
فالرجل يريد من المرأة “الحب ” وكذلك هى أيضًا، لكن الحب يأتى فى ظل شروط من أهمها الاحترام الحقيقى النابع من إيمان كل طرف من طرفى العلاقة بحق الطرف الآخر فى التمتع بالحياة وهو موفور الكرامة والآدمية.